الجمعة، 8 مايو 2020

مصطفى يونس يكتبـ: "نجمتان.."


 "من مجموعة "قيود وأجنحة" - ابداعات قصصية- الهيئة العامة للكتاب 2020"



 1
قالت مدرستي بأن رسمي جميل، ووهبتني على صفحة الرسم نجمتين، فعدت إلى البيت وأنا في غاية الفرح.
ضحك أبي وهو يجرع آخر شيء تبقى في تلك الزجاجة التي تجعله أحمر العينين دائما، ودفعني لأبتعد دون أن تنال النجمتان في كراستي منه أدنى اهتمام. تلقفتني أمي، وذهبت بي إلى الغرفة. كانت عيناها محتقنتين بالدموع، لكنها ابتسمت من بين دموعها، واحتضنتني..
ستكون رساماً عظيماً، وسيكون لك معارض كبيرة، وتباع لوحاتك في كل مكان.
وفي اليوم التالي اشترت لي علبة ألوان خشبية وكراسة رسم جديدة. أنا أحب أمي. أرسمها دائماً وهي تبتسم من خلال دموعها. رسمتُ أيضاً الحمامة التي تعشش على نافذتنا، وقطة أختي، ورسمتُ أيضاً المدرسة والحديقة..

2

 اليوم عدتُ من المدرسة، فلم أجد أمي.
سمعتُ كلاماً من جارتنا وهي تحتضنني وأختي، وتبكي، وتهمهم بأشياء لم أفهمها تماماً عن هروب السكير، والمسكينة الملقاة في سرير المستشفى بين الحياة والموت.
في المستشفى كانت أختي تبكي من الجوع، بينما أمي في السرير نائمة والأنابيب محيطة بجسدها.
 لم يسمحوا لنا بالدخول، ولكن رأيناها من خلف زجاج سميك. الرجل في المعطف الأبيض يطلب من جارتنا ضرورة توفير المال في أسرع وقت قبل أن تموت. نعم، قال بأن أمي ستموت..
بينما جارتنا تنظر لنا والدموع في عينيها، وتلوذ بالصمت، خطرت في بالي الفكرة. أعرف أين تضع أمي المال. قلت لجارتنا..
أمي تضع المال فوق الثلاجة..
تربت جارتنا على كتفي، ودموعها تنهال على خديها، وتقول أن المطلوب مالٌ كثيرٌ، وتشتري لنا الطعام في طريق عودتنا أنا وأختي.
سكتت أختي عن البكاء، ونامت بعد أن أكلت؛ فحملتها جارتنا طول الطريق إلى البيت.
لم نعد إلى شقتنا. قالت جارتنا بأننا سنمكث معها حتى تعود أمي، ولكن ليس لدينا مال نعطيه للرجل ذو المعطف الأبيض كي يعيد أمي. ارتعدت للفكرة. أنا أحب أمي..
تظاهرت باللعب حتى غفلت عني جارتنا في المطبخ، ثم تسللت إلى شقتنا. كنت أعرف طريقة لنأتي بكل المال الذي يريدون، ليعيدوا لي أمي. كان كل ما أحتاج مفرش المنضدة وكراسة الرسم التي اشترتها أمي.

3
منذ ساعتين وأنا أفترش الرصيف المزدحم بالبائعين. صفحات كراستي صففتها أمامي بعناية. رجل طيب منذ نصف ساعة اشترى رسمي لقطة أختي ووجه أمي المبتسم، ووهبني ورقة تحمل الرقم 10 وهو يبتسم بعطف.
الآن أنا سعيد. في نهاية اليوم سآخذ حصيلة بيعي كلها للرجل ذو المعطف الأبيض، وأقول له بأن يعيد أمي، وحين تعود، سأخبرها كيف أنني صرت رساما كبيرا يبيع اللوحات في معارض العالم.
أنا أحب أمي.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخر التعليقات

جديد

أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *